
هشٌّ أنا… والريحُ تكسرني كما
تكوي النوافذَ في ليالي العاشقينْ
والجرحُ في صدري يبوحُ، كأنّهُ
وترٌ يشدُّ على النزيفِ الحائرينْ
ماذا جنيتُ سوى احتضارٍ دائمٍ
في كلّ صبحٍ… في ملامحِ من رحلْ؟
دفنتُ قلبي في الترابِ، ولم أجدْ
كفنًا له… فمضى يُمزّقه الأملْ
غامضْ… فلا تقربْ خريفَ حقيقتي
فالحبُّ نارٌ، والنوى موتي البطيءْ
حبُّك بقي… والنبضُ في عزفِ الجوى
يمضي إليّ كأنّه نَصلٌ وضيءْ
أسألْ فؤادَك: هل وجدتَ سوايَ دفئًا؟
أما شعرت، كأنيَ الظمآنُ فيكَ؟
ألا ترى؟
جرحي يُطاردُ ظلَّك الغافي…
ويشهقُ في مناكَ… وفي يديكْ
فدعِ الجراحَ تئنُّ… لا تترفْ بها
واخفضْ جبينَك… إنّ حبكَ
يستحقُّ الآنَ
أن يُحاسَبْ…
رحلتَ، وخلفتَ العمرَ منكَسرًا
كجفنِ باكية تُكفِّنُ في الدجى قمرا
هشٌ أنا…
أبكي كأنَّ الأرضَ تَدفنني،
ضاعتْ خطايَ، وكلُّ دربٍ لم يَدلّني
والروحُ… تُنادى دون أن تدري لمن سكنا
سلبتَ دفئي، ومضيتَ كأنّكَ لم
تسقِ المودّةَ في فؤادي من يديك
قلبٌ دفنتُهُ في الترابِ… ولم أجد
كفَّنًا، ولا شاهدًا،
فكان قبري في الهوى جُحرا
أبكيك؟
بل أبكي على مَن كنتُ أظنُّهُ ضوءًا
فإذا بنورهِ نارٌ… تَشويني، وتَنفَتِرَا
أيّ الوداعِ تركتَهُ؟
حزني نزيفُ قصائدي
ودمي حروفٌ أذبلتْ في القلبِ مجرى
فخذلتني…
حتى الشِّعرُ خذلني
والحرفُ ماتَ على فمي…
وتركتُ صوتي فيكَ مُحتضرا
أما أنا…
فكلّ ليلةٍ أدفنُ في نفسي نهارًا
وأنزفُ العمرَ،
أنزفُ حبًّا في دمي… قهرا
فدعني،
لا تُشفقنّ… فكلّ من أحببتُهم
كانوا كأشباحٍ تمرُّ على دمي سُدى، عبرا
وَكُنتَ بُدرَ السَّنا… فانهالَ منكَ دُجىً
وَكُنتَ روحي… فَأصبحت فيكَ مسجونا
يا مَن تَفيَّأتُ ظلَّ الحُبِّ في كَنَفٍ
فَاستَوحَشَتني الليالي حين تُقصينا
هل تُرجِعُ الريحُ ما أهدَتهُ من شَذَرٍ؟
أم هل يُعيدُ الدُّجى ما ضاعَ من دِينا؟
كأننا لم نُعانِق ضوءَ نافذَةٍ
ولم نُناجِ بُكاءَ البُعدِ تَلحينا
هذا انا سنين الفراق والآن أنا
أنا الذي جرَّدَ الآهاتِ من شَجَنٍ
حتى غدَتْ نارُها في القلبِ بركانا
ما مسَّني البُعدُ إلّا زدتُهُ شَرفًا
كالسيفِ تَصقُله الأحزانُ أزمانا
أمشي على الجُرحِ مرفوعَ الجَبينِ، ولو
خانَ الورى كلُّهم… ما كنتُ خَوّانا
تركتُ من خانَني يُبكي ظلالَ دمي
وصُغتُ من وجعِ الأيامِ تيجانا
واخفضْ جَبينك…
إنَّ حبَّك في دمي
ما عاد حبًّا… بل جِنايةَ عاشقٍ غدرا…